قبل الواضح.. من “الأدب” إلى “السياسة” كم تغيرت آسفي!؟
أصبح للفساد مقاهي كثيرة تحصنه وترعاه وتحفظه من الهلكة بآسفي ، لا مكان فيها لذوي الضمائر الحية، أو لمن يملك مقدار حبة من خردل من ايمان، الفساد بات يملك وسائل الترغيب والترهيب والاكراه، ويزرع إيديولوجيا للسيطرة على العقول، والعمل على تدجينها وتطويع تفكيرها لصالحه، بات يملك قدرة خارقة للتطويع والتركيع.
نشأت بآسفي مقاهي سياسية، تملؤها وجوه انحطت لديها معني المروءة، والكرامة، وانعدمت لديها الحساسيات الأخلاقية فتتداخل عندها القيم الحميدة مع قيم الوضاعة والنذالة، فأصبحت غريبة عن الوجوه وفاقدة للملامح .
مقاهي السياسية، بها يناقش الفاسدون أواصل ترابط المصالح والمكاسب، ويذكرون بعضهم البعض بأن الاهتمام بهموم المواطن والمدينة أول خطوة لانهيار القلاع، ولا تعنيهم حالات الفقر والبؤس المتفشية في المجتمع لأن وجوههم تصلبت وانعدم عندهم الحياء على عتبات المال، لا يهتمون بالمصالح العامة إلا بمقدار ماتخدم مصالحهم ومكاسبهم، يملكون تعطيل الإصلاح، وقتل القرارات في المهد، يتولـون إدارات يزاولون فيها الفساد والإفساد، بسببهم كثرت الرشاوى، والنفوذ .
بالمقاهي السياسية بآسفي، الفاسدون يتحدثون عن قيم العدل والمساواة والحق والنزاهة وحقوق الانسان، ويمارسون شعائرهم الدينية والإجتماعية، ويبالغون في الحديث عنها، ويحفظون مآثر تراثية ودينية وآيات قرآنية يرددونها في المناسبات حيثما حلوا، للتغطية على فسادهم وشرورهم ، واذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، قالوا انما نحن مصلحون.
بالمقاهي السياسية بآسفي، كائنات تتقن التخفي وهم متكلمون لبيبون يسوقون من الحجج والبراهين ما يدفعون به فسادهم ، مما يجعل المرء يظن أنه يجالس شخصية قيادية طامحة للأفضل ذات قدرات وأفكار يسوقون انفسهم على أنهم ناجحون دونا عن الآخرين والسبب في ذلك أنهم نفذوا بفسادهم بسلام، نجحوا نجاحا، نجاح دخل في سيرتهم الذاتية ، خاصة أن المحاسبة غائبة على مذهب عفى الله عما سلف.
بالمقاهي السياسية، تحول الفساد إلى ممارسة وثقافة مقبولة، عن طريق المخالطة والمشاركة، فكثير من الناس لازموا الفاسدين حتى تحسنت أوضاعهم، وهذا أغرى الآخرين، بإتباع نفس الأساليب والممارسات، فكم من نظيف مارس الفساد، من حيث لا يرغب، لانعدام الطرق الأخرى وتضاؤل وانحسار البدائل، ومن منا لم يمارس الوساطة للحصول على حقه في التطبيب، فالتعليم، في الحصول على شهادة السكنى، بتصحيح الإمضاء..، غير آبه بأولويات وحقوق الآخرين، وانعكس ذلك علىالسير العام للمجتمع، باليأس، والتملص من المسؤولية.
بالمقاهي السياسية،الفساد نما وترعرع، بتوافر البيئة والحاضنة المناسبة لنموه وتكاثره، مجموعات فاسدة تحولت مع الأيام إلى شبكة مصالح، ترتبط مع بعضها البعض بمنظومة تبادل المنافع والفوائد، يصعب محاربتها بسبب ترابط أركانها، الفاسد فيها يحمي أخاه ويحصنه، لتتكون منهم مافيا متشابكة من الصعب مقاومة هؤلاء بوسائل الإصلاح التقليدية.
ونحن المواطنين المقهورين، تقع علينا شرور الفاسدين وأوزارهم، نتحمل جزء كبير من المسؤولية عن الفساد، لانتعلم ولا نعي، كم مرة انتخبنا الفاسد السيئ، وكم دافعنا عن فاسد سارق، بحجة انتماؤه الفارغ، ونحن نعلم أنه سوسة تنخر جذور الوطن، وكم دفعنا الوضيع المتكبر إلى الصفوف الأولى، وتصدرنا به المجالس، ووصفناه بالذكي، والنبيه، والمنظر! وتناقلنا قصصهم وبطولاتهم الكاذبة، وسعينا إلى التقرب منهم، وقدمناهم في جميع مناسباتنا، وناديناهم بالحاج..
هل هي ثقافتنا الموروثة؟ ثقافة زعيم القبيلة، لا تغيير ولا إصلاح إلا بنبذ ” ثقافة الفساد” التي تغلغلت في شراييننا وعقولنا، والعودة إلى ثقافة الكرامة والشهامة والكبرياء والاعتزاز بشعارنا الخالد « الله الوطن الملك ».