أيقونة العمل الوطني :المعلم الآسفي الوطني الموقع على وثيقة الاستقلال محمد بن الخضير

ما أن تحضر ذكرى 18نونبر من كل عام حتى نستحضر معها بطولات وشهامة أجدادنا الذين رفضوا الاستعمار الفرنسي والاسباني ،وقدموا ممتلكاتهم وأرواحهم فداء للوطن ،في سبيل استرجاعه من أيدي المحتلين ،حيث شهد المغرب حينها أعظم وأرقى ملحمة تاريخية تجسدت في ارتباط الشعب بالعرش العلوي المجيد ،وكانت وثيقة الاستقلال الشاهد الأيدي على أن آسفي كان وما زال ارتباطها وثيقا بالعرش   ،إذ وقع عليها ثلاثة من رجالات هذه المدينة المناضلة ،وهم.. …
بهاته المناسبة الغالية على قلوبنا والتي تذكرنا دائما بتضحيات أسلافنا الصالحين ،وعلى التزامنا بالسير قدما على منوالهم ،نسلط الضوء على أحد أبرز الشخصيات الوطنية الرافضة للاستعمار بمدينة اسفي وبالمدن المجاورة لها خلال الأربعينيات و الخمسينيات من القرن الماضي، ألا وهو المرحوم بن الخضير محمد بن حدان الأسفي ،المنحدر من أسرة آسفية عريقة. ولد عام 1918 و تلقى تعليمه الأولي في الكتاب كباقي أقرانه ،ثم ولج مدرسة مولاي يوسف الحكومية التي كانت تعرف كمثيلاتها في المغرب آنذاك “بالمدرسة الفرنسية الإسلامية” ، و بعد حصوله على الشهادة الابتدائية انتقل  إلى الرباط لمتابعة تعليمه بثانوية مولاي يوسف ،حيث حصل على شهادة التعليم الثانوي بميزة مشرفة .

وفي سنة 1938 التحق بن الخضير بقسم المعلمين السلك الثانوي،فكانت هاته المرحلة هي فترة تشبعه بالعمل الوطني داخل خلايا الطلبة التي كونها الحزب الوطني أنذاك لرص صفوف الطلبة في إطار نضالي موحد  ،التزم بن الخضير بالحضور  وانتظم في نشاطاته داخل الخلية التي كان يسيرها الوطني الكبير و المقاوم أبوبكر القادري ،الذي يذكره و يذكر كفاحه و مواقفه الثابتة في كتاباته و خاصة في الجزء الثاني من مؤلفه القيم ” مذكراتي في الحركة الوطنية”.

و لقد تعرف السي محمد خلال هذه الفترة على عدد من الشبان الذين شكلوا في ما بعد طليعة الحركة الوطنية أمثال المهدي بنبركة و عبد الرحيم بوعبيد و قاسم الزهيري و الطاهر الزبير و بوبكر الصبيحي وأحمد اليمني و آخرون، و بعد تخرجه من قسم المعلمين عين معلما بمدينة فاس، و هناك تابع دراسته  بالمراسلة و واظب على عمله حتى حصل على القسم الأول و القسم الثاني من شهادة الباكلوريا.

خلال الحفل الكبير الذي أقامته الإقامة العامة بالرباط ، احتفاء بالتلاميذ الذين حصلوا على الشهادة ،كانوا المغاربة قلة قليلة ،مما يدل على تميز وجدية المناضل الوطني الآسفي علما ومعرفة ووطنية ،ولم يتوقف بحثه العلمي وشغف المعرفة لديه إذ أنه بعد فاس انتقل المرحوم بن الخضير  إلى مدينة الجديدة حيث استمر في مزاولة مهنة التعليم ،وتابع دروسه الجامعية بالمراسلة مع جامعة الجزائر ،رغم  الصعوبات الكثيرة التي كانت تعترض سبيله فإنه استطاع الحصول على الشهادة التحضيرية الجامعية ،ثم على الشهادتين الأولى و الثانية من الإجازة في الرياضيات.

انطلاقة العمل الوطني بشكل واضح ،والتزام  المرحوم ااسي و محمد بن الخضير بالعمل الوطني مكانيا كانت من مدينة الجديدة ، حيث حضوره الدائم والمنتظم م لاجتماعات المسؤولين الوطنيين المحليين، لدراسة   النشرة الشهرية للحزب ،خولت له إبداء رأيه و توجيهاته للعمل المستقبلي ،وزمانيا كانت  سنة 1944 هي الفترة البارزة من عمر العمل الوطني والمجسدة في وثيقة الاستقلال التي أمضاها باسم مدينة الجديدة وهو الآسفي أبا عن جد ،وكان ثالث الأبطال بالإضافة إلى ااسي عبد السلام المستاري و الحاج محمد البوعمراني.

بتوقيعه تعرض للعديد من الضغوطات من قوى الاحتلال ليتراجع عن توقيعه ،مستغلين انتماءه إلى سلك الوظيفة العمومية ، غير أنه طلب رخصة إيداع غير محدد ،تاركا لهم اليد التي يريدون ليٓها لسحب التوقيع فانسحب من الوظيفة العمومية ،وعاد إلى مسقط رأسه آسفي بعدما زادته الضغوطات عزما واسرارا على متابعة عمله الوطني ومقاومته الاحتلال ، فانخرط بشكل كلي في مساره النضالي ،وانتخب كاتبا عاما لحزب الاستقلال بالإقليم ،و عضوا بالمجلس الأعلى للحزب ، واعتمد على أعماله الحرة بعدما ترك الوظيفة العمومية التي شكلت له عائقا أمام واجبه الوطني ،لكنه لم يترك التعليم حيث كان إطارا نشطا في ميدان التعليم الحر التابع للحركة الوطنية ،فكان يدرس الرياضيات  بمدرسة ” الهداية الإسلامية” بآسفي .

و تم اعتقاله مرات عدة خلال الفترة الممتدة مابين 1952 و 1955  ، و تجول خلال اعتقاله بالعديد من  سجون الاستعمار ، عين مومن و الصويرة و الرباط.

عين مع فجر الاستقلال  باشا على مدينة آسفي، لكن استقال من منصبه عام1959 ،إذ ألف ممارسة الأعمال الحرة .

الشغف المعرفي جعل السي محمد بن الخضير  محبا للكتب على اختلاف مجالاتها التاريخية والعلمية والفنية ،وهذا ما جعله مثقفا متكاملا يتقن اللغتين العربية و الفرنسية، وكان عاشقا لفن الموسيقى الأندلسية المغربية و باحثا فيها، وحبه للفن الموسيقي دفع به لتنظيم أمسيات ببيته سنويا،وكان يستقدم إليها جوقي فاس و تطوان برئاسة الحاج عبد الريم الرايس و محمد العربي التمسماني اللذين كانت تربطه بهما مشاعر مودة خالصة و تقدير ،وعرفت هاته الأمسيات شهرة واسعة بالأوساط الفنية المغربية ،وسميت بميازين أسفي نظرا لجودة الأداء الرفيع ،ولعل أهمها “الميازين ميزان ابطايحي الماية و قدام الحجاز الكبير و قدا عراق عجم”.وبقي السي محمد بن الخضير محبا شغوفا بهذا الفن ،واستمر تعلقه به إلى أن وافته المنية بمسقط رأسه يوم السبت 16 شتنبر 2000 و دفن على بعد بضعة أمتار ،على مشارف مدخل مقبرة بوديس.

(جلسات طويلة و متعددة مع المترجم له ؛ وثائق عائلية؛ المدوبية السامية لقدماء المقاومة و أعضاء جيش التحرير، خمسون سنة على تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، تراجم الموقعين، 1994 ؛ أبوبكر القادري، مذكراتي في الحركة الوطنية، مطبعة النجاح الجديد،1997.)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى